زينة المرأة - الحلي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

يباح للمرأة أن تتزين بالحلي مهما كان نوعه، في حدود المشروع، بلا إسرافٍ, ولا مباهاة، سواءً من الذهب أو الفضة، أو غيرهما من اللؤلؤ والياقوت، والزمرد والماس ونحوها، ولا فرق في الذهب بين المحلق كالسوار والخاتم، وغير المحلق كالقلادة والقرط، لعموم الأدلة الشرعية، قال -تعالى-: ((أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحِليَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيرُ مُبِينٍ,))(سورة الزخرف: 18).

وقد أخرج ابن جرير في تفسير هذه الآية عن مجاهد أنَّهُ قال: رخص للنساء في الذهب والحرير وقرأ: ((أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحِليَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيرُ مُبِينٍ,)) يعني: المرأة. وعن علي -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ حريراً فجعله في يمينه، وأخذ ذهباً فجعلهُ في شماله، ثم قال: ((إنَّ هذين حرامٌ على ذكور أمتي))(1).

قال النووي في شرح المهذب: (أجمع المسلمون على أنَّهُ يجوز للنساء لبس أنواع الحلي من الفضية والذهب جميعاً، كالطوق والعقد والخاتم، والسوار والخلخال، ولا خلاف في شيء من هذا) (2).

لكن على المرأة أن تخفي الحلي عن الرجال الأجانب، ولا سيما إذا كان في يدها وذراعها، لأنَّ الحلي زينة والله يقول: ((وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا))(سورة النور: 31).

ويزيد الأمرُ حرمةً وخطورةً إذا ازدادت غلبة الظن في حصول الفتنة.

ومن الملاحظ أنَّ كثيراً من النساء اليوم لا يبالين بإظهار أيديهنَّ وحليهنَّ حتى بين الرجال الأجانب في الأسواق ونحوها، وهذا من تبرجِ الجاهلية الأولى.

وبعض النساء لا يتورعنَّ عن إظهار أيديهن لبعض الصاغةِ ضعاف الإيمان، لأجلِ قياس حجمِ السوار أو الخاتم، أو لنـزع الحلي من أيديهن، أو مساعدتهن في لبسها أو نزعها، وهذا أمرٌ محرم، إذ لا يجوزُ للرجل أن يمس أي جزءٍ, من بدن المرأة الأجنبية، وهي بهذا الفعل عاصيةً لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى كل منهما التوبة، وقد ورد عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لأَن يُطعَنَ في رأس أحدكم بمخيطٍ, من حديد خيرٌ له من أن يمس امرأةً لا تحل له)) (3).

فهذا الحديث دليلٌ على أنَّه لا يجوزُ للرجل أن يمسَّ امرأة أجنبية، وهي شريكتهُ في الإثم إذا كانت مطاوعة. ومسُ البدن للبدن أبلغ في اللذة، وأقوى في إثارةِ الغريزة، وإيقاظِ الشهوة من النظر بالعين، وتحريمُ مس المرأة أحد التدابير الوقائية، التي وضعها الإسلام للحيلولةِ دون وقوع الفاحشة، التي تفسد الفرد والمجتمع، وتقضي على العفة والطهارة، وتؤدي إلى الهلاك والدمار.

فعلى المرأة المسلمة أن تراقبَ الله -جل وعلا-، وتعمل بأحكامِ دينها التي فيها خيرها، فلا تمدٌّ يدها لرجلٍ, أجنبي لا لمصافحة، ولا لقياس حلي، بل عليها أن تحتجبَ الحجاب الشرعي، بستر كل ما يلزم ستره، ومن ذلك الوجه والكفان والذراع، وعلى الصائغ وغيره أن يخافَ الله -تعالى-، ويغض بصره عما لا يحلٌّ له النظر إليه، ولا يمسُ امرأةً لا تحل له، فيعاقبُ في نفسه وأهله وماله، نسأل الله السلامة.

 

ومما يتعلق بموضوع الحلي:

-       دبلة الخطوبة:

شاع بين المسلمين في هذا العصر نتيجة التشبه لبس دبلة الخطوبة، وهي عبارةٌ عن خاتم ذهبٍ, يلبسه الرجل وعليه اسمهُ في الغالب، وخاتم ذهب أو ماس تلبسهُ المرأة، فإذا خطبها ألبسها الخاتم في اليمنى، وإذ دخل بها نقله إلى اليد اليسرى، وهكذا الرجل يلبسهُ في اليمنى إذا كان خاطباً، وإذا تم الزواج نقلهُ إلى اليسرى(4)، فهذا فيه محذوران شرعيان:

الأول: لبس ما هو محرمٌ على الذكور بالنص والإجماع وهو الذهب، فقد ورد عن البـراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: ((نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن سبع: نهى عن خاتم الذهب)) الحديث(5).

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى خاتماً من ذهبٍ, في يد رجل فنـزعهُ فطرحه، وقال: ((يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده))، فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (6).

والأحاديث في هذه كثيرة، وقد نقل النووي في شرح صحيح مسلم، الإجماع على تحريم خاتم الذهب على الرجال(7).

الثاني: إنَّ هذه العادة سرت إلى المسلمين عن طريق التشبه بالكفار، وأعني بذلك النصارى.

يقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: (ويرجع ذلك إلى عادةٍ, قديمة لهم عندما كان العروس يضع الخاتم على رأس إبهام العروس اليسرى، ويقول: باسم الأب. ثم ينقلهُ واضعاً له على رأس السبابة ويقول: وباسم الابن. ثم يضعهُ على رأس الوسطى ويقول: وباسم روح القدس، وعندما يقول: آمين، يضعهُ أخيراً في البنصر حيثُ يستقر)(8).

فعلى المسلمين البعد عن مشابهة النصارى في هذه الخصلة الذميمة، امتثالاً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى))(9).

وعلى التجار من الصاغة والباعة أن يراقبوا الله -تعالى-، فلا يحلُ لهم شرعاً بيع خواتيم للرجال، أو صناعة خاتم الخطبة، لأنَّ هذا إعانةً على التشبه بالكفار، وإعانةً على الإثم، والله -تعالى- يقول: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى البرِّ وَالتَّقوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقَابِ))(سورة المائدة: 3).

 

ثقب الأذن وتعليق الحلق فيها:

يجوزُ ثقب أذن البنت وتعليق الحلق فيها، لأنَّ فيه سد حاجةٍ, فطريةٍ, عند المرأة وهي التزين، ولا يمنعُ من ذلك حصول الألم الذي يكون نتيجةَ الثقب، لأنَّهُ خفيف، ووقته قليل، وهو لا يفعل غالباً إلاَّ في حال الصغر(10).

وثقب الأذن أمرٌ معلومٌ عند النساء قديماً وحديثاً، ولم يرد فيه نهيٌ لا في الكتابِ ولا في السنة فيما أعلم بل ورد ما يشعرُ بجوازهِ وإقرار الناس عليه.

فقد ورد عن عبد الرحمن بن عابس قال: سُئل ابن عباس: أشهدت العيد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، ولولا منـزلتي منهُ ما شهدتهُ من الصغر، فأتى العَلَمَ الذي عند دار كثيرٍ, بن الصلت، فصلى ثُمَّ خطب ولم يذكر آذاناً ولا إقامة، ثُمَّ أمر بالصدقة، فجعل النساء يشرن إلى آذانهن وحلوقهنَّ، فأمر بلالاً فأتاهن ثم رجعَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي لفظ للبخاري عن ابن عباس أيضاً قال: ((أمرهنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصدقة، فرأيتهنَّ يهوين إلى آذانهنَّ وحلوقهن))(11).

فهذا فيه دليلٌ على جواز ثقبِ أذن المرأة لتجعل فيه الحلي، وإن كان ليس نصاً في الموضوع إذ يحتمل أنَّهُ شُبِكَ في الرأس أو في الأذن بدون ثقب، لكن ترك الإنكار عليهنَّ يصلحُ أن يكون دليلاً، فعدم النهي يدلُ على الجواز، والله أعلم(12).

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

(1)              أخرجه أبو داود (11/107)، والنسائي (8/160)، وابن ماجة (2/1189)، وأحمد (1/115) قال الألباني: ورجال إسناده ثقات غير أبي أفلح الهمداني. وثقه ابن حبان وقال ابن القطان: مجهول. لكن له شاهد من حديث أبي موسى وابن عباس وابن عمر. ثم ذكرها. راجع: غاية المرام ص64، والتلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني (1/64). الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية.

(2)             شرح المهذب (6/40).

(3)             قال المنذري: (رواه الطبراني والبيهقي. ورجال الطبراني ثقات الرجال الصحيح). انظر (3/39) الترغيب والترهيب طبعة الحلبي. وانظر: الصحيحة للألباني رقم 226.

(4)             المرأة المسلمة أمام التحديات: أحمد الحصين ص128.

(5)             أخرجه البخاري (10/315)، ومسلم (14/274)، والترمذي (8/93)، والنسائي (4/54).

(6)             أخرجه مسلم (4/310).

(7)             شرح صحيح مسلم (4/310).

(8)             آداب الزفاف للألباني ص123، الطبعة الرابعة. المكتب الإسلامي.

(9)             أخرجه الترمذي (7/472)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2/246). وانظر: فتح الباري (11/14).

(10)        انظر: تحفة المودود لابن القيم ص125، ط المكتبة العلمية بالمدينة، والآداب الشرعية لابن مفلح (3/341)، والإنصاف (1/125).

(11)        أخرجه البخاري (13/303).

(12)        انظر: فتح الباري (10/331).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply