وجوب أداء الصلاة في جماعة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز، إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه ونظمني وإياهم في سلك من خافه واتقاه آمين: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فقد بلغني أن كثيراً من الناس قد يتهاونون بأداء الصلاة في الجماعة ويحتجون بتسهيل بعض العلماء في ذلك فوجب علي أن أبين عظيم هذا الأمر وخطورته، وأنه لا ينبغي للمسلم أن يتهاون بأمر عظم الله شأنه في كتابه العظيم، وعظم شأنه رسوله الكريم، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم. ولقد أكثر الله - سبحانه - من ذكر الصلاة في كتابه الكريم، وعظم شأنها، أمر بالمحافظة عليها وأدائها في الجماعة، وأخبر أن التهاون بها والتكاسل عنها، من صفات المنافقين، فقال - تعالى - في كتابه المبين: \"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين\" (البقرة، الآية 238) وكيف تعرف محافظة العبد عليها، وتعظيمه لها، وقد تخلف عن أدائها مع إخوانه وتهاون بشأنها، وقال - تعالى -: \"وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين\" (البقرة، الآية 43) وهذه الآية الكريمة نص في وجوب الصلاة في الجماعة، والمشاركة للمصلين في صلاتهم. ولو كان المقصود إقامتها فقط لم تظهر مناسبة واضحة في ختم الآية بقوله - سبحانه -: \"واركعوا مع الراكعين\". لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية، وقال - تعالى -: \"وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم منهم طائفة معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم\" (النساء، الآية 102) فأوجب - سبحانه - أداء الصلاة في الجماعة في حال الحرب فكيف بحال السلم! ولو كان أحد يسامح في ترك الصلاة في جماعة، لكان المصافون للعدو، المهددون بهجومه عليهم أولى بأن يسمح لهم في ترك الجماعة. فلما لم يقع ذلك، عُلم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، وأنه لا يجوز لأحد التخلف عن ذلك. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: \" لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً أن يصلي بالناس، ثم انطلق برجال معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم \" الحديث. وفي صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: \" لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق عُلم نفاقه، أو مريض، وإن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة \". وقال: \" إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، علمنا سنن الهدى، وأن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه \". وفيه أيضاً عنه، قال: \" من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادي بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف \". وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يلازمني إلى المسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" هل تسمع النداء بالصلاة \"؟ قال: نعم، قال: \" فأجب \". والأحاديث الدالة على وجوب الصلاة في الجماعة، وعلى وجوب إقامتها في بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه، كثيرة جداً، فالواجب على كل مسلم العناية بهذا الأمر، والمبادرة إليه، والتواصي به. مع أبنائه وأهل بيته وجيرانه وسائر إخوانه المسلمين، امتثالاً لأمر الله ورسوله، وحذراً مما نهى الله عنه ورسوله، وابتعاداً عن مشابهة أهل النفاق الذين وصفهم الله بصفات ذميمة من أخبثها تكاسلهم عن الصلاة، فقال - تعالى -: \"إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى. يراءون الناس ولا يذكرون اله إلا قليلاً. مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً\" (لنساء، الآيتان 142، 143) ولأن التخلف عن أدائها في الجماعة من أعظم أسباب تركها بالكلية، ومعلوم أن ترك الصلاة كفر وضلال وخروج عن دائرة الإسلام، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة\". (خرجه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه) وقال - صلى الله عليه وسلم -: \" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر \" والآيات والأحاديث في تعظيم شأن الصلاة، ووجوب المحافظة عليها وإقامتها كما شرع الله والتحذير من تركها كثيرة ومعلومة. فالواجب على كل مسلم أن يحافظ عليها في أوقاتها، وأن يقيمها كما شرع الله وأن يؤديها مع إخوانه في الجماعة في بيوت الله، وطاعة لله - سبحانه - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحذراً من غضب الله وأليم عقابه. ومتى ظهر الحق واتضحت أدلته، لم يجز لأحد أن يحيد عنه، لقول فلان أو فلان، لأن الله - سبحانه - يقول: \"إن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً\" (النساء، الآية 59) ويقول - سبحانه -: \"ليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم\" (النور، الآية 63) ولا يخفى ما في الصلاة في الجماعة من الفوائد الكثيرة، والمصالح الجمة، ومن أوضح ذلك التعارف والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه. وتشجيع المتخلف، وتعليم الجاهل، وإغاظة أهل النفاق، والبعد عن سبيلهم، وإظهار شعائر الله بين عباده، والدعوة إليه - سبحانه - بالقول والعمل، إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة. وفقني الله وإياكم لما فيه رضاه وصلاح أمر الدنيا والآخرة، وأعاذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ومن مشابهة الكفار والمنافقين، إنه جواد كريم.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.هذا الموضوع من كتاب رسائل في الطهارة والصلاة نشر دار الوطن بالرياض

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply