تضييع صلاة الجمعة في حق المسلم المقيم من كبائر الذنوب


بسم الله الرحمن الرحيم

 

تفضيل الأيام

أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى، عباد الله إن الله جل وعلا من حكمته فاضل بين الأيام وبين الأزمنة، فالأشهر الحرم هي أفضل أشهر العام كما قال - جل وعلا -: {منها أربعةِ حرمِ ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم (36)} [التوبة]. وفضل شهر رمضان فجعله أفضل شهور العام وجعل عشره الأخيرة أفضل أيامه ولياليه، وفضل التاسع من ذي الحجة على بقية الشهر، وفضل يوم عرفة وفضل عيدي الفطر والأضحى، كل هذا التفضيل لما لله فيه من حكمة ولما أودع في هذه الأيام من الخير والفضل، وفضل يوم الجمعة فجعله أفضل الأيام، وخص الأمة المحمدية فيه بخصائص لم تكن لأمة من قبلهم، يقول الله - جل وعلا -: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خيرِ لكم إن كنتم تعلمون (9) فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون (10)} [الجمعة].  أمر من الله لعباده للعناية بهذا اليوم وللاهتمام بصلاة الجمعة {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله  (9)} [الجمعة].  إذا نودي إليها فاهتموا بالمضي إليها وجدوا في الحضور إليها ذلكم الحضور وأداؤها خير لكم إن كنتم تعلمون.

 

أيها المسلم، هذا يوم الجمعة يوم عظيم من أيام الله، هذا اليوم هدانا الله له يا أمة محمد، فضل منه وكرم وأضل عنه من قبلنا من اليهود والنصارى وما ربك بظلام للعبيد يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم، هذا يوم يعظمه المسلمون، يعظمون الصلاة فيه ويهتمون به ويعدون حضوره نعمة من نعم الله عليهم وحق  لهم ذلك، فهو يوم من أفضل الأيام يقول فيه - صلى الله عليه وسلم - (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول الجنة دخولا ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: (نحن أول أهل الجنة دخولا، نحن الآخرون الأولون يوم القيامة)،  بيد أن كل أمة أعطيت كتابها قبلنا فهذا يومهم فاختلفوا فيه، فعاقبهم الله بما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فلنا يومنا ولليهود غدا وللنصارى بعد غد، فقد أضل الله عن هذا اليوم من قبلكم واختصكم بفضل منه وكرم وجود  وإحسان، فاعرفوا لهذا اليوم فضله واعرفوا له شأنه واعلموا أنه يوم من أفضل الأيام وأجلها، يوم يلتقي فيه المسلمون فيستمعون توجيهات الخطيب فيخرجون وقد تزودوا علما وفهما وإدراكا لواقعهم وحلا لمشاكلهم بتوفيق من الله وهدايته.

 

تضييع الجمعة كبيرة

أيها المسلم، صلاة الجمعة فرض على كل مسلم مقيم، فرض عليه أن يؤدي هذه الصلاة، فإن أداها فهو من المؤمنين الموقنين وإن ضيعها فهو من الخاسرين.

 

أيها المسلم، لا يرضى بترك الجمعة مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر ولا يتساهل في حضورها من في قلبه داعي الإيمان، إنه يوم من أفضل أيام الله، لكم فيه فضل كبير وأجر عظيم لمن حضر واستمع واستفاد.

أيها المسلم، إن تضييع صلاة الجمعة في حق المسلم المقيم يعتبر من كبائر الذنوب سمع عبدالله بن عمر وأبو هريرة، سمعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ثم ليطبع الله على قلوبهم فيكونوا من الغافلين) وفي الحديث: (من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه) وفي الحديث الآخر: (قد هممت أن آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أحرق على رجال بيوتهم لتخلفهم عن الجمعة).

أيها المسلم، فإياك والتهاون فيها وتضييعها، فذاك نقص في إيمانك، قال - صلى الله عليه وسلم -: (أيها الناس توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكره تنصروا وتؤجروا)، وقال: (ألا إن الله افترض عليكم الجمعة في ساعتي هذه في يومي هذا في مكاني هذا، في شهري هذا في عامي هذا فمن تركها بعدي وله إمام عادل أو جائر ألا فلا  صلاة له، ألا فلا زكاة له، ألا فلا حج له، ألا فلا صوم له، ألا فلا بر له إلى أن يتوب).

 

آداب الجمعة

أيها المسلم، عليك أن تهتم بهذا اليوم وأن توليه العناية المطلوبة فتكون من الفائزين برضوان الله ومغفرته وجنته، ففيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه. في هذا اليوم ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه وهذه الساعة إما آخر ساعة من يوم الجمعة، وإما إذا صعد الإمام المنبر إلى أن تقضى الصلاة فهما وقتان يرجى فيهما إجابة دعاء العبد إذا دعا الله مخلصا موقنا بالإجابة.

أيها المسلم، إن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أرشدنا في يوم الجمعة لآداب عظيمة فمن ذلكم أنه حث على غسل يوم الجمعة وردد فيه وأمر به فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -  يقول: (من أتى الجمعة فليغتسل) وعنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) مما يدل على تأكد هذا الغسل وعظيم شأنه ويقول - صلى الله عليه وسلم - مبينا فضل غسل يوم الجمعة وفضل التركيز والتأكيد عليه (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا دخل الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر). 

أيها المسلم، لقد ابتلى المسلمون للأسف الشديد بالتهاون بيوم الجمعة فلا ترى الأكثر يحضر إلا وقت الأذان أو في أثناء الخطبة أو عند انتهائها. وهذا تفويت لفضل عظيم وخير كبير. 

فيا أخي المسلم، اقتطع من وقتك يوم الجمعة تحضر فيه مبكرا لتتلو من كتاب الله وتذكر الله وتتهيأ لهذه الصلاة فتكون في السابقين لفعل الخيرات، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن من توضأ وأحسن الوضوء يوم الجمعة وأتى المسجد وصلى ما قدر له وأنصت إذا تكلم الإمام ثم صلى الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام.

 أخي المسلم، أن تبكيرك للجمعة فيه فضل كبير لك في الدنيا والآخرة أتى عبدالله بن مسعود الجمعة، فإذا ثلاث نفر قد سبقوه فقال رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: يجلس المؤمنون من ربهم يوم القيامة على قدر إتيانهم للجمعة. 

 

الإنصات للخطبة 

أيها المسلم، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدبنا بأدب آخر وهو أنه ألزم المؤمنين الإنصات عندما يتكلم الإمام وحرم عليهم التحدث أثناء الخطبة وأوجب عليهم الاستماع والإنصات، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا قلت لصاحبك ليوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت). وقال أيضا - صلى الله عليه وسلم -: (الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت فلا جمعة له).

أيها المسلم وأدبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأدب آخر، فحرم على المسلم تخطي رقاب الناس يوم الجمعة ونهاه عن إيذاء المسلمين، يقول - صلى الله عليه وسلم - لما رأى رجلا يتخطى رقاب الناس. قال - صلى الله عليه وسلم -: (أجلس فقد آذيت وآتيت. وقال الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة كالذي يجر قصبه في النار).  وقال - صلى الله عليه وسلم -  (الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى النار) كل ذلك تأديبا واحتراما للمسلمين وعدم المضايقة وعدم إيذائهم بتخطي رقابهم.

أيها المسلم، هذا يوم الجمعة، وجب عليك الإنصات والاستماع والاهتمام والإكثار من ذكر الله والصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم -. 

أيها المسلم، ويشرع لك إذا دخلت المسجد يوم الجمعة أن تصلي ما قسم الله لك، فإن كان الإمام يخطب، فاكتف بركعتين فقط، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - سليكا  الغطفاني وقد دخل يخطب فجلس فقال - صلى الله عليه وسلم - (أصليت ركعتين) قال: لا، قال - صلى الله عليه وسلم -: (قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما).

أيها المسلم، إن مما ينبغي التنبيه عليه ألا تقطع صلاة الآخرين وألا تمر بين المصلي وبين يديه فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: لو يعلم المار بين يدي المصلى ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يدي المصلي. 

قال أبو النضر لا أدري أقال أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما. تحذيرا لقطع صلاة المصلي والمطلوب من المصلي أن يكون أمامه سترا حتى المار من ورائها. وسن للمسلم بعد الجمعة أن يصلي أربع ركعات بتسليمتين لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من صلى الجمعة فليصل بعدها أربعا). 

فيا أخي المسلم، هذه فرصة في عمرك، في أسبوعك، فرصة عظيمة لك، فتقرب إلى الله فيها  بالتبكير للجمعة بقدر الإمكان والإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة على محمد - صلى الله عليه وسلم - وترقب ساعة الإجابة والجد والاجتهاد في ذلك عسى أن توفق لخير وتهدي للخير والله يعين كل من أراد خيرا وقصده يعينه الله ويسهل عليه مهمته، المهم ألا يكون في القلب غفلة عن ذكر الله ولا تهاون بهذه الفريضة ولا تكاسل عنها. 

 

تساهل البعض 

عباد الله، الجمعة فرض الوقت، والجمعة من أفضل الأيام، ولكن للأسف الشديد يتهاون بعض المسلمين في أدائها ويتكاسل البعض عن أدائها وهذا حرمان لهم من الخير. 

أيها المسلم، إن كنت مهتما بالجمعة ومعتن بها وحريص عليها فأظن ذلك لن يتعبك ولن يعجزك، سواء كنت مقيما في بلدك أو جاعل يوم الجمعة يوم سياحة لك ويوم نزهة لك، فيمكنك الجمع بين النزهة وبين صلاة الجمعة. القرى والهجر كلها ميسر أمر الوصول إليها والطرق السريعة خدمت كل المناطق وبإمكانك أن تنزل قرب مسجد، وكل ذلك ميسر لك فالطرق السريعة خدمت كل الهجر والقرى وأصبح الإنسان بإمكانه أن يجمع بين نزهته وفرحته وبين هذا اليوم فلا يضيع هذا اليوم ولا يفوته. أما  البعض هدانا الله وإياهم ربما يمضي شهر وشهران كل جمعة موضع نزهة من هنا وهناك فكأن الجمعة يسيرة في حقه وكأنها رخيصة عنده، وهذا يا أخي حرمان للخير، فما دمت يا أخي إذا قضيت نزهتك واحتجت إلى أي حاجة ولو كمالية، ضربت الكيلومترات لتحصل عليها فهذا اليوم العظيم لماذا التساهل والتهاون به؟! لماذا لا تخصص لنفسك أن تكون نزهتك بقرب جامع ما من الجوامع في إحدى القرى والهجر ونحو ذلك.  لتؤدي فيه الفريضة وتجمع بين الخيرين وذاك دليل على حرصك على الخير واهتمامك به. ومن الناس أيضا هدانا الله وإياهم ربما أقاموا صلاة الجمعة في استراحة ما في الاستراحات إذا اجتمعوا أقاموا صلاة الجمعة  وهذا أيضا من الخطأ لأن الجمعة إنما تقام في المساجد ولا تقام في الصحارى لأن الجمعة يشترط فيها الاستيطان بالمكان الذي يقيم فيه فلا تصح جمعة في استراحة ما من الاستراحات بل هذا خطأ وجمعة باطلة. 

فالواجب أن تقام هذه الجمعة في مساجد المسلمين المهيأة لذلك، وهذا واضح ولله الحمد وانتشار المساجد في الطرقات السريعة واضحة لا إشكال فيها. فمن أراد وقصد الخير فإنه يهتم بهذا اليوم ويهتم بحضور الجمعة ويعتني بها العناية المطلوبة ويعدها فرصة سانحة له ليتقرب إلى الله بأدائها ويترقب لها ساعة الإجابة فعسى دعوة تستجاب وعسى توبة تقبل وعسى ذنب يغفر والله ذو الفضل العظيم أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد. 

  

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply