البعد العقائدي الأمريكي في الحرب على الإسلام


بسم الله الرحمن الرحيم

لم تكن المعتقدات السائدة الدينية في العالم بمنأى عن الصراعات السياسية والعسكرية، بل كانت أهم الأسباب للصراعات المستمرة في العالم، وكانت المعتقدات الدينية الستار الذي يتستر خلفه أرباب الصراع من قيادات وأنظمة واتجاهات فكرية وحزبية، وراحت كل قيادة تستخدم الشعارات الدينية بما يتلاءم وتوجهها، وبما يخدم فكرها ومصالحها، ذلك أن هذه الأنظمة تدرك أهمية هذا الستار (الديني) في توحيد أفكار الناس، وجرهم وراءها.

وإذا كانت الشعارات التي ترفعها الأنظمة الغربية اليوم - ورائدة هذا المجال الإدارة الأمريكية في نظرتها السياسية لصياغة نظام جديد للعالم تكون هي القائدة فيه - هي شعارات دينية وعقائديةº فإنه يتضح للعالم أن الأحداث التي تحركها الولايات المتحدة وحليفاتها لم تكن من أجل المصالح فقط، وإنما أيضاً من أجل المعتقدات!!

ولا تخل خطوة من خطوات بوش نحو أي تحرك للأحداث السياسية في إدارته إلا والشعارات الدينية ملازمة لخطواته، من ذلك مثلاً جمعه للقساوسة وللمشائخ في اليوم الثالث من الهجمات التي تعرضت لها نيويورك في أحداث الحادي عشر من سبتمبرº وبدء صلواته في افتتاح ذلك الاجتماع وما قاله عنه (بوب وود وارد) - وهو أحد أعضاء اللجنة المكلفة بصياغة خطابات الرئيس بوش بعد الأحداث - في كتابه (بوش وأحدث سبتمبر): "وفي سياق قائمة المطلوبات أن هناك حاجة روحية إلى استدعاء الدين ليلعب دوره الإيماني في تحقيق درجة من القبول بنوازل القدر، وبالتالي تخفيف القلق والخوف، وحقن جرعات من الصبر والاحتمال تستحضر أرواح القديسين والشهداء، وحضر الحاخامات والقساوس، وبدأت الصلوات". ولما أعلنت الحرب ضد العراق ذهب بوش في أول يوم للقصف للكنيسة لأداء الصلوات - كما فعل أبوه من قبل الذي راح مع أول يوم من الحرب ضد العراق 1991م إلى الكنيسة ليصلي من أجل النصر على العراق -.

وكانت الشحنات الدينية متمثلة في حشد الثقافة الأمريكية والإعلامية - في الكتب والصحف والمجلات - محرضة باسم الدين ضد الدين الإسلامي خاصة، حتى تبرر الأحداث والتوقيت والبرمجة الكاملة لأي حملة عسكرية ضد أي بلد مسلم، وسنلاحظ من خلال رصد هذه الخطوات التي سنذكرها من أين جاء مصطلح الإرهاب، ومن المقصود بالإرهاب؟

يذكر ريتشارد "كوندون" مؤلف كتاب "مرشح من منشوريا" بعد تفكك الاتحاد السوفيتي سنة 1990م قائلاً:

(الآن وقد نام الشيوعيون يتوجب علينا اختراع تهديد آخر رهيب)، وهو يذكر أنه بعد الحرب العالمية الثانية كان يفترض أن يدشن الانتصار على الفاشية حقبة جديدة، ولكن، والقول له: (ولأن الأمريكيين يكرهون أن يخدعوا مرتين فهم الآن يستعدون ويعدون أنفسهم لخصم جديد)، شارحاً هذا الخصم الذي التفتت إليه الأنظار الأمريكية والأوروبية قال: (على أساس من ذلك يلتفت الأمريكيون والأوربيون أيضاً إلى غول تقليدي هو "المسلم"، غير أن بعضهم يشدد على بلد بعينه، وكانت أولى الأنظار متجهة صوب العراق ذلك البلد العربي المسلم الذي أخذ يوطد قوة عسكرية في الشرق الأوسط) ناهيك عن بداية نهضة علمية وثقافية لا تروق لهم، فبدأ الإعداد للحرب على ذلك البلد، أما كاتب آخر هو "ليون أرويس" فقد أوضح أن الهدف من روايته (الحج) هو تحذير الغرب من: (ثور هائج قوامه بليون نسمه على هذه البسيطة إذا ما عوملوا بطريقة خاطئة فسيفتحون طريقاً ثانياً إلى أرماغيدون)(1).

وفي افتتاحية (صنداي تايمز) اللندنية 4/7/1990م تقول الصحيفة: (في كل شهر تقريباً يتراجع الخطر القادم من حلف وارسو، ولكن التهديد القادم من الأصوليين المسلمين يزداد عامً بعد عام، وسيطبع ما تبقى من هذا العقد وما بعده أيضاً، إنه تهديد يختلف في النوع والدرجة عن تهديد الحرب الباردة، لكن على الغرب أن يتعلم كيفية احتوائه تماماً كما تعلم من قبل كيفية احتواء الخطر الشيوعي)، ويقول وليام س. لند الذي عمل من قبل مستشاراً لمرشح الرئاسة الأمريكية غاري هارت: (إن إشكالية الانهيار السوفيتي قد تنطوي على احتمال أن تقوم الجيوش الإسلامية بمحاصرة بوابات فيينا من جديد) في إشارة إلى حين عسكر الجنود العثمانيون خارج أسوار فيينا سنة 1683م، ويقول دانيال بايبس: (هناك أساس واقعي للخوف من الإسلام منذ موقعة أجنادين عام 634م وهي أول معركة بين المسلمين والرومان - قبل اليرموك - وحتى أزمة قناة السويس عام 1956م، كان العداء العسكري المهيمن على العلاقة المسيحية - الإسلامية، ولقد ظهر المسلمون كأعداء حقيقيين منذ أغنية (ولان) وهي قصائد (أورلاند) منذ (السيد) وحتى (دون كيخوته)، وفي واقع الأمر اكتسب الأوربيون الشماليون دولتهم بطرد المسلمين بدءاً باستعادة أسبانيا في مطلع القرن الثاني عشر وحتى حرب استقلال ألبانيا عام 1912م).

هذه بعض الكتابات التي كانت تحرض على الإسلام والمسلمين، ولئن كان هؤلاء الكتاب يعبرون عن آرائهم إلا أنها سرعان ما تتبناها الأنظمة الغربية إذا ما سنحت لها الفرص، خاصة أن مثل هؤلاء يستدعون للمشاركة في صياغة الخطابات التي تجذب الرأي العام المحلي والخارجي للأنظمة التي تحرك الأحداث، ولم تكن الولايات المتحدة لترضى بالخمول العالمي حتى تفتعل الأحداث لتحقيق المصالح من وراء الحرب، ومن ثم توظيف المصطلحات والأحداث على السواء.

ولم تكن الكتابات وحدها في الصحف أو في الكتب المحرضة والمنظرة لتحريك الأحداث واختلاق الأزمات والأعداء، بل كانت السينما الأمريكية قرينة الصحف والكتب، كما كان المخرجون السينمائيون قرناء الكتاب والمؤلفين في ذلك، تبدأ السينما بالتنظير لحدث ما في بلد من البلدان الإسلامية والعربية، ثم يعطي المؤلف رأيه في إدارة هذه الأحداث وإيجاد السيناريو الملائم لها، ثم يبرمجها المخرج في أنقى صورة لحرب متخيلة يكون المنتصر في نهاية المطاف الرجل الأمريكي (البطل المفترض) على (الآخر الشرير).

ولا تلبث هذه الأفلام أعواماً قلائل حتى تتحرك عالمياً على أرض الواقع كما فعل بالأزمة العراقية السابقة مع الكويت عام 1990م‘ فقد مثل الفيلم السينمائي في 1984م عن العراق، وكيف سيدخل الكويت، ثم كيفية إقامة الحرب ضده مفصلة كما حدث على أرض الواقع!!، كما مثل فيلم تحريضي ضد إيران في العام 1994م، ويبدو أن وقائعه قريبة الحدوث!! كما مثلت سلسلة من الأفلام العدائية المفترضة تسمى سلسلة (دلتا فورس)، من ضمنها فيلم يتحدث على ما يبدو أنه فرقة إحضار أسامة بن لادن، حيث يصف كيفية إقامة الحرب ضده، ومطاردته حتى إحضاره في العام 1996م، والفيلم يحكي قصة رجل متطرف من العالم الإسلامي، وكيف سيقوم باختطاف طائرة أمريكية متجهة إلى لبنان فيحول مسارها لتلقي بقنبلة كبيرة لضرب وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، وهو يحمل فيروساً يهدد به العالم - من مكان ما - ثم يأتي البطل الأمريكي فيخلص الأمريكيين منه.

هذه الأفلام ضغطت الإدارة الأمريكية على مصر لتعرضها بدورها السينمائية في عام 1998م وفي عام 2000م قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد رفضت الرقابة المصرية عرض الأفلام لما فيها من إساءة للإسلام، ناهيك عن فيلم قواعد الاشتباك الذي مثل عن اليمن ومنعت جامعة الدول العربية دخوله البلاد العربية!! مما يدلل أن أحداث سبتمبر مصطنعة داخلياً - في أمريكا - لتحريك أحداث عجلة العالم، لأنه لا بد من دفع ثمن معين لاستهداف بلد ما أو شعب أو أمة!!

ولتبدأ الخطوات التالية التحري: فعقب أحداث سبتمبر، واستحداث مصطلح الإرهاب، وفرض قاعد ة (إما معنا أو ضدنا) لتبدأ الخطط، وتحديد العود وما هو الكلام الأنفع والمقنع لكسب الرأي العلمي، قال بوش بحسب رواية الكاتب بوب وود وارد: (ما أريده هو حرب تشد مشاعر الشعب الأمريكي، وتشد وراءه بقية العالم) فقال كولن باول - بقصد التأكيد طبعاً -: (الحرب على الإرهاب حتى تتم تصفيته)، وتدخل رامسفيلد: (الحرب ضد الإرهاب - يعني ذلك المصطلح المطاطي - ستكون حرباً طويلة تأخذ وقتاً وحرباً يصعب بها تحقيق نتائج سريعة ولافتة للنظر، وهي حرب ضد أشباح، ولا تسمح بهذا الانفجار العظيم الذي يريده الرئيس)، ولكن نائبه بول وولفوينز قال: (طبعاً ما يريده الرئيس هو أن نوجه ضربتنا إلى الدول الراعية للإرهاب، أو الدول الإرهابية، والعراق أول القائمة بوجود صدام حسين على رأسه).

من هنا اجتمع الأمر على توجيه الضربة التالية بعد أفغانستان إلى العراق ليس بحجة أسلحة الدمار الشاملº وإنما تحقيقاً لرغبة بوش في حدث عظيم في العالم كما أشار مسبقاً: (أريد انفجاراً عظيماً BIG BANG)، لأنه الهدف الذي يستطيعون ضربه وهو واضح للعيان، وليس حرباً ضد أشباح كما قالوا عن القاعدة، وهكذا كان للمصطلحات الدور الغطائي الأكبر في تحقيق رغبات الرجل الأمريكي - السيد العالمي - الذي يريد أن يستعرض بقوته في العالم، في حين انجر العالم كله وراء التسمية الأمريكية لعدو مفترض، لانبعاث واقع أشبه ما يكون بقصة درامية لا بد لها من حدث يحرك جمودها حتى لا يملها القارئ.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply